الإسلام السياسى على ضوء نتائج إنتخابات تونس.
محمد العطيفى
قبل ما يسمى ( الربيع العربى ) كلن هناك إنتشار واسع لجماعات الأسلام السياسى المتعددة ، فى الشارع العربى . وكان ذلك يرجع الى سببين رئيسيين
الأول: مهادنة الحكومات العربية لهم ، وكان هناك ضغط اميركى على الحكومات العربية بحجة الديمقراطية المزعومة كترياق شافى للشارع العربى الحالم بالحياة الغربية ، والتى تستند فى ديمقراطيتها على الحريةأولاً . هذه الحرية هى الحرية الإقتصادية كركيزة أساسية تمهد الطريق أمام الديمقراطية .
وكانت دولة الرفاه الإجتماعى التى تبناها الغرب منذ القرن الثامن عشر وسيطرة الثورة الصناعية على أركان الحياة دور مهم ومحرك للإنتقال بالمجتمع من النظام الإقطاعى الى المجتمع الصناعى ، مما إستدعى فكرة تحرير الفرد إقتصادياً ليكون له مطلق الحرية فى الأختيار ، وإبداء الرأى دون الضغط عليه أو شراء صوته نتيجة الحاجة ، فى ظل تغير تشهده المجتمعات نتيجة تحول النظام الإقتصادى .
فى الوقت نفسه كانت المجتمعات قد ثأثرت بثقافة سبقت الثورة الفرنسية. فالحركة الفكرية كانت ليبرالية بحته لتحرير العقل .لتفسح للعقل المجال للإبداع والإبتكار وتحريره من حدود ضيقة فى زنزانة الدين ، ونقله الى آفاق الفكر اللامحدود لينطلق لعالم الحداثة وتطوير العلوم .
وهذا يوضح مدى الأرضية الممهدة لأنتقال المجتمعات من مرحلة الى مرحلة أخرى مختلفة وتحتاج الى رؤي جديدة تناسب المرحلة الجديدة وهى الثورة الصناعية آنذاك .
وهذا للأسف يختلف عن حالة الشارع العربى فى مصر والعديد من الدول العربية .التى لم يكن لديها الحركة الفكرية التى تسبق مراحل التغيير . وهذا يمكن ملاحظته دون عناء فى البحث بالعودة الى الشكل العام للثقافة التى سبقت نزول الجماهير للشوارع . فمنظومة الأخلاق بدأت فى التلاشى ، والكل يتلفع بعباءة الدين ليخلق الإزدواجية الفكرية التى لادخل للأخلاق فيها . فالفساد وجد البيئة الخصبة داخل الإزدواجية الفكرية والفراغ الثقافى وفوضى الفتاوى الدينية التى لم تعد صالحة للمكان والزمان .
ثانياً: إستغلت جماعات الإسلام السياسى الظروف الإقتصادية ، وإتساع رقع الفقر نتيجة عدم توزيع الثروة العادل فى حالات نمو إقتصادى جيدة . فبالنظر لدولة مثل البرازيل فى نهاية التسعينات كانت تسير فى إصلاح سياسى وإقتصادى وبدأت فى الظهور والحضور كعملاق إقتصادى على الساحة الدولية ، لكنها أخذت الوقت الكافى لتقضى على العشوائيات والتوزيع العادل للثروة .
لكن جماعات الإسلام السياسى استغلت كل هذه الظروف أولها مساحة الحرية الممنوحة من الدولة للجميع لتسيطر على الشارع ، فى ظل تهادن مع الدولة وإستمالة الفقراء نتيجة عدم توزيع الثروة العادل والذى يحتاج الى وقت حتى يشعر المواطن بالبحبوحة الإقتصادية . ثم روجت الى فوضى ( الكتب الصفراء) المحصورة بين الجنة والنار وعذاب القبر ، التى لاتستند الى مراجع علمية لبث أى افكار فى عملية غسيل نوعية للعقول بأسم الدين ، وسيطرت على منابر المساجد لأسلمة الشارع لتتعدى وتصل الى تكفير المجتمعات ، دون أن يتصدى لها أحد . ولم تقف عند هذا الحد بل استخدمت المنابر الإعلامية والتليفزيون لنشر رسالتها ، لتحقيق هدف هام وهو تقويض دور الدولة ، ورأت أن أسلمة الشارع هو الداعم لها فى تحديها للنظام وأسس وأركان الدولة .
فبعد حراك ( الربيع العربى) هرول شيوخ الإسلام السياسى الى الوصول الى السلطة ، وأتضح للجميع مدى الإزدواجية الفكرية لديهم لإثبات أن الدين لادور له .
فالسبب الرئيسى الذى جعل أميركا تتحالف مع الأخوان وما تم تسميته ( الاسلام السياسى المعتدل ) هو إيمان هذه الجماعات بالسوق الحرة . وهذا معناه ، وربما لم يتحقق نتيجة رفض الشارع لهذه الجماعات ان يتم نشر صور هؤلاء الشيوخ بجوار زجاجات الويسكى . لان الدعم الأميركى لهم كان مشروط ومرتبط بالسوق الحرة . وهذا معناه إن اى صناعة تخالف ( الشرع) مرحب بها فى السوق الحرة . والعديد من هذه السلع والصناعات تتنافى مع الشرع فى الإسلام .لأن السوق الحرة قائمة على الربح بغض النظر عن شكل الصناعة أو التجارة .
الغرب اليوم يتصدى لظاهرة ( العبودية الحديثة) والتى يتم المتاجرة بالنساء بها ، ايضاً استخدام وتشغيل المحتاجين بأدنى الأجور . لم نرى أحد شيوخ الإسلام السياسى رفض السوق الحرة .أو قدم كتاب قائم على البحث والتحليل لنقد عيوب السوق الحرة .
وأتت إنتخابات تونس لتوضح رفض الشارع لأى عمل سياسى تحت عباءة الدين . وهذا التراجع يدل على أن الإسلام السياسى فى طريقة للزوال .لأن التشدد الأعمى بات يحصد الابرياء فى مصر والجزائر واليمن وتونس وليبيا . وكانت انتخابات تونس هى المسمار الأخير فى نعش الأسلام السياسى . حيث سيأخذ طريق التراجع بعد تونس . هناك حكومة ( بنكيران) فى المغرب ، حزب ( العدالة والتنمية) المدعومة سراً من جماعة ( العدل والإحسان ) المتشددة . والتى أسست ( حركة الشبيبة الإسلامية ) لها بقيادة عبدالكريم مطيع فى أول ظهور لها بالمغرب . والتى سيتم هزيمتها فى أول انتخابات قادمة.
وذلك لوصول الشارع العربى لقناعة ثابته وهى أن الإسلام السياسى كان وسيلة بل أداة لهدم الدول وتخريبها وجرها لصراعات دموية داخلية تتنافى مع أبجديات الدين الذى طوعته القوى الاسلامية المتصارعة فيما بينها للتغلغل فى الشارع العربى .
فالحروب ، والنزاعات والشرور ، وإنعدام الأمن والقلق المستمر على الحياة الذى اتت به القوى الإسلامية للشارع أمر يرفضه أى انسان مهما كانت ثقافته . لأن الحياة هى السلام والمحبة والتعاون والأخلاص للفرد والدولة .