ثقافة التسامح وثقافة التطرف .ودور الإعلام
الإعلام هو دائماً عنوان للحضارة ورمز للحرية وصفات للتقدم ، لأنه السلطة الرابعة الغير خاضعة إلا للضمير الإعلامى . فالعالم المتقدم منذ الحداثة يعتمد عليها فى إتخاذ القرار . ومنذ أن حلت ( العلمانية الفاصلة ) والتى فصلت الدين عن الدولة ، والعالم الغربى يقطع اشواطاً كبيرة فى الإرتقاء والإبتكار والإزدهار للشعوب حتى أصبحت حلم للشباب فى بلدان لعب الدين دوراً كبيراً فى تخلفها وإقتتالها .
ولدينا الدليل لنتائج الإقتتال وعدم الإستقرار فى بلدان كثيرة . البحر يتغذى بجثث الشباب الباحث عن الأمن والمستقبل فى هذه الدول الغربية ، وانتشرت ظاهرة الهجرة الغير شرعية للفارين من الإقتتال بإسم الدين بحثاً عن الأمن والسعادة والإستقرار .
وهنا نسأل الإعلام فى هذه الدول ودوره فى بسط لغة الحوار الهادىء والمستنير الذى يدعو لنشر ثقافة ( التسامح) ويتصدى لثقافة ( التطرف ) هذا من جهة .والتركيز على ظاهرة غرق الشباب فى البحر والهجرة بين أسباب ودوافع من جهة اخرى .
فثقافة التطرف فى عالمنا العربى على مايبدو راسخة ، لإنها قائمة على الإقصاء كجوهر لها . محصورة بين ( الحلال والحرام) وهذا ما يحدث التشدد الذى يتحول الى بدعة ، والبدعة بدورها تُحدث الإنقسام داخل مجتمع واحد . فى حين أن ميدان ( الحركة الإنسانية ) قائم على الإنسانيات . وتعتمد على الأخلاق التى جوهرها بناء النفس والشعور بالتقوى . فهناك العديد من الشعوب لادين لها ، بل تعتمد على الأخلاق كغذاء للنفس ، وتعتمد على مالديها من تراث للتشريع الذى ينظم علاقة البشر بالبشر بقصد الوصول بالمجتمع الى حالة السعادة والكمال كهدف .فلا يقصوا الأخرين .يوفون بالوعود والعهود ، يدافعون عن المظلومين والمستضعفين ، يهتمون بالمرضى والمحتاجين . دون وازع دينى أو فتوى من رجل دين . وهذا يرجع الى إيمانهم التام بالمنظمومة الأخلاقية، التى تحترم الافراد و الأعراف والتقاليد التى تحكم المجتمع بعيداً عن لغة التشدد أو العنف .
لذا أطلقت الفلسفة الإغريقية لفظ ( السعادة) لإنها اختيار المجتمع . والفرد بالفطرة يميل الى الإختيار الجيد للحياة . لذا فالسعادة كهدف هى أيضاً اهتمام مشترك للمجتمع بالكامل ، وقادرة على توحيده ليحقق هذا الهدف ويخلق السلام والوئام بين الأفراد .
ففى مجتمعاتنا على سبيل المثال نرى القضايا الثآرية مازال لها وجود فى ظل الحداثة . لأننا فى مجتمعاتنا ليس لدينا ثقافة التسامح .كثيرى التأثر بالعاطفة على حساب العقل .
فالتسامح مبدأ إنسانى ، يعتمد على نسيان الماضى المؤلم بكامل الإرادة ، والنظر الى المستقبل وإزالة كل العوائق التى تحد من تقدم المجتمعات وإزدهارها .
وهذا يدعونا للعودة الى منظومة الأخلاق ،و التى تعتبر التسامح جوهرها .فالشعور بإستبدال الغضب والحقد والكراهية بالعفو والرحمة والتعاطف هى الوسائل التى تدعم ركائز العدل والديمقراطية للمجتمعات ، مع الأخذ فى الإعتبار احترام قيم الأخرين وعقائدهم كجزء من المنظومة الأخلاقية التى منهجها الحب والإخلاص والشعور بالمساواة.
هذا بدوره سيهمش دور التطرف الذى يدعو الى مواجهة الأخر وتهديد أمنه وسلامته وخلق الفوضى وعدم الاستقرار كقاعدة عامة يستند عليها فى الذبح والقتل وأنهار الدماء وكلها تتم بإسم الدين أمام الجميع ويستخدم وسائل الإعلام فى فوضى عالمية .
لذا من الواجب أن يهتم الإعلام العربى على وجه الخصوص بأن تكون استراتيجيته نشر ثقافة التسامح بعد الفشل فى مواجهة التطرف ولغة العنف التى تستند الى الدين كمبرر للقتل والفوضى
فالعالم والمجتمعات تحتاج الى التوافق والتقريب لخلق الأمن والاستقرار تستند الى علم ( الأخلاق) بعدما انتشر الفهم الخاطىء للدين . فساعد على خلق مساحات الخلاف الواسعة بين أصحاب الملة أو المذهب الواحد أو حتى الدين الواحد . والتجارب كثيرة وواضحة نلمسها فى العراق ، سوريا ، ليبيا ، اليمن ، الصومال .بسبب إنتشار الأفكار المغلوطة للدين . والتى لم تجد من يتصدى لها ، بل خلقت بؤر وجماعات متطرفة أفشت ثقافة التطرف ، وتبنت العنف لمن لايتفق مع أفكارها لتشهر السلاح ضده.
فهذه مسؤولية اعلامية ، ان لم تؤخذ بعين الإعتبار من الآن فصاعداً ، فلا مكان الا للفوضى والحروب فى منطقة غنية وقادرة على نفض الغبار وتصحيح المفاهيم وبناء العقول ليعم الأمن وترفرف رايات السعادة على أرجاء المنطقة وتسير فى ركب الابتكار والنمو لصالح أفرادها والعالم معها .فالتسامح هو أداة البناء الحقيقى وتقدم الشعوب ونهضتها. أما التطرف والتعصب معول هدم .