بقلم : محمد العطيفى
اتت الإنتخابات البريطانية لتخالف كل توقعات المهتمين بالشأن السياسي فى العالم ، وتغير الخارطة السياسية لدولة تتباهى ولها الحق فى أنها أقدم الديمقراطيات فى العالم .
فكان يظن كل المحللين أن بريطانيا تأثرت كثيراً بما يدور حولها فى أوروبا . ونهاية سيطرة حزبين كبيرين على المناخ العام وسياسة للدولة . وشهدت الحياة السياسية ولادة أحزاب جديدة وأيدلوجيات متنوعة لها حضور فى الشارع ، وتأثير قوى حتى داخل البرلمان الأوروبى . مما جعل المراقبيين فى يقين بأن سياسة الحزب الواحد قد ولت ولايمكن لحزب أن يهيمن على الحياة السياسية ، بل عليه الدخول فى تحالف مع أحد الأحزاب الصغيرة التى فرضت تواجدها فى الشارع ، بل ولها نصيب فى الحكومة التى ظلت لسنوات محصور تشكيلها على الأغلبية التى ينالها الحزب الواحد .
لذا وجدنا أن العديد من الحكومات فى أوروبا هى حكومات ائتلافية ( زواج كاثوليكى ) أحيانا بين أكثر من حزب ليتم من تشكيل حكومة نظراً لعدم قدرة الحزب الواحد على الحصول على أغلبية برلمانية فى نظام أنتخابى يعترف ب ( ٥٠ + ١ ) للمقعد الفائز . لكن سرعان ما تلاشى كل هذا فى الأنتخابات البريطانية .
فكان فى بريطانيا أحزاب صغيرة تزحف للسلطة بخطى بطيئة وقدرة على أقناع الناخب بأيدلوجيات مختلفة لتخترق أكبر حزبين مسيطرين على الحياة السياسية فى بريطانيا وهما حزب المحافظين وحزب العمال .
فظهر حزب الأستقلال وحزب الخضر وأرتفع نصيب الديمقراطين الأحرار ليشارك حكومة المحافظين إئتلاف يلتقى فيه يمين الوسط مع أقصى اليسار كمؤشر لحياة برلمانية جديدة تتخذ من التعددية السياسية عنواناً جديداً لأى حياة برلمانية كما هو الحال فى العديد من الدول فى العالم .وأرتفاع لحصة اليمين المتطرف . الذي يقف ضد الهجرة ويبنى أفكاره على ايدلوجيات قديمة جزء منها لا يختلف كثيراً عن ايدلوجية النازية والفاشية التى تركز على الأهمية القومية ونحن نعيش فى عالم العولمة الذى يكتسح الحدود ويدعو للعالمية وعدم التقوقع فى حدود دولة قومية .
لكن ما أسفرت عنه الأنتخابات البريطانية كانت العودة الى سيطرة الحزب الواحد مرة أخرى وأيضاً وعى شعبى يتصدى للايدلوجيات ، ويؤمن بالأقتصاد والحق فى العمل والتوزيع العادل للثروة التى بدورها تنعكس على المجتمعات لخلق الرفاهية التى هى طموح الشعوب .
لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل الجديد فيها أننا رأينا ٣ أحزاب سياسية على الساحة يقدمون إستقالتهم لإفساح المجال لآخرين يعملون بجد للعودة للساحة السياسية والمنافسة مرة أخرى لتحقيق إنتصار سياسى . فأستقال ( ادد ميلباند ) رئيس حزب العمال ، وأستقال ( نك كليج ) رئيس الديمقراطين الأحرار والذى كان نائباً لرئيس الوزراء ( ديفيد كاميرون) وأستقال ( انجل فاراج )حيث كان يتوقع العديد أنه سيشارك الحزب الفائز فى الحكومة الأئتلافية .ليحل محله الحزب الاسكلتندى .
خلاصة القول أن هذه الإنتخابات أظهرت رؤية شعبية أن العالم كل مايهمه الأقتصاد أكثر من الأيدلوجيات السياسية . وأن الحزب القادر على الفوز والمنافسة هو الذى تتفق وتلامس رؤيته أهداف المواطنين . فهذه الأنتخابات درساً قوياً للأحزاب وصناع السياسة والشباب ايضاً فى عالمنا العربى لفهم السياسة والإستفادة من تجارب الآخرين لتحقيق الديمقراطية والقفز على البدوقراطية التى ظلت راسخة على قلوبنا ونحن نعيش عالم العولمة وثورات فى الإتصال .